وطنيا وحدويا حتى العظم.. هكذا هو الشهيد محمد شحادة الذي قضى امس برصاص المستعربين مع ثلاثة من رفاقه وسط مدينة بيت لحم .
كان رحمه الله شديد الحرص على وحدة الصف والكلمة وطالما ادمت الخلافات قلبه ،فكتب معبرا عن امله في تجاوز الخلافات وتوطيد العلاقات بين الاخوة على اختلاف انتماءاتهم.
في مقالته الاخيرة التي كتبها يبوح الشهيدبما اعتمل قلبه من تباريح الالم مشيرا فيه الى ان الخلاف ممكن ولكن دون ان تتقاطع السيوف بين لاخوة .... كتب يقول تحت عنوان : الخلاف ممكن؟!
تعلمنا دوما أن الخلاف رحمة وهو سنة للحياة..وان الاقتتال فيما بيننا لعنة..واستحضرنا لذلك آلاف الشواهد من التراث تعيننا على ذلك..وبررنا وبررنا عند انتهاك المحرمات حتى أصبح المجرمون صلاحا..والضحايا يبعثون على نياتهم..هكذا تعلمنا فأصبح للدم حرمة ..وأصبح دمنا مقدسا لا ينبغي الاعتداء عليه إلا في الضرورة..فللضرورة أحكام هكذا تعلمنا..وهكذا قال لنا أصحاب الخطب الرنانه على المنابر المطهرة..التي أعلنوا عليها دوما أن قتل نفس بغير حق كقتل الناس جميعا..وان هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل مؤمن واحد..هكذا قالوا..وحتى لا يظلموا أو نظلمهم وأنفسنا..فلا بد أن نجد لهم عذرا..فلقتل الأخ شروط..!!وهم اجتهدوا وكانت المصلحة تقتضي القتل والاشتباك...؟!!!!
صحيح قد يحتاج المرء للقتال والقتل في بعض الأحيان..كحالنا مثلا في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي..فهو الذي احتل الأرض وقتل وشرد..ولكن عندما يكون الخلاف داخليا ما بين الأخوة..فالتريث والحوار والصبر والدين والأخلاق قبلهما الحكم..أما أن يكون سفك الدم دم الأخوة ..لأجل سلطة وهمية (لأنها لا تمتلك مقومات الاستقلالية بحدها الأدنى..فلا سيادة على ارض ولا على معابر ولا على سماء أو بحر) فهو عار وحرام...
فمن العار أن نتقاتل ويسفك الدم..والاحتلال يراقب ويقول للعالم إنهم أي الفلسطينيين شعب همجي متوحش إرهابي لا يستحق دويلة وليس دولة..ألا يخجل هذا الذي يوجه سلاحه إلى أخيه سواء كان عنصرا أو قياديا يعطي الضوء الأخضر للقتل(لان كلاهما قاتل)..حتى يسفك الدم الذي تباكى عليه بالأمس بأنه مقدس وخط أحمر...
ما هكذا تحل الخلافات..ولا هكذا تحرر فلسطين..فعند الحديث عن السلطة وزعامتها ..فلنترك الأمر للتحرير وصناديق الاقتراع..وعند الحديث عن الخيانة فلا نتعجل ولا نتسرع في إطلاق الأحكام..ولنكن منصفين ولنتذكر ولنستحضر شواهد من التاريخ تعيننا على تفهم ظرف الآخر..فصلح الحديبية لم يكن منصفا في نظر بعض الصحابة..لكنه كان فتحا في نظر موقعه الرسول الأعظم (ص)..وما نحن به اليوم من زيادة لقوة المقاومة ما هو إلا حصاد لعشرات السنين من المقاومة..نذكر هذا حتى لا يرى البعض أنه هو فقط من أقام وأقعد..إن الإنصاف يجعلك عادلا في الحكم على آخاك الآخر..فأنت لست وحدك في هذا التنظيم أو ذاك من حمل عبء القضية..وأن الآخر لمجرد اختلافك معه سياسيا أو فكريا لا يحق له شيء أو أصبح مطعونا في وطنيته...
ما هكذا تحل الخلافات..ولا ينبغي أن نحقن ابر التحريض لمقاتلينا فيتحولون إلى قطاع طرق وقتله..بعد أن امتلكوا أقدس هوية واطهر بندقية...
ما هكذا تحل الخلافات..ونظرة إلى تجربة جارنا العزيز لبنان تفيدنا وتصوب اتجاهنا..فرغم ما صدر عمليا وكلاميا من الحكومة اللبنانية ضد المقاومة..لم يكن رد أمينها العام السيد حسن نصر الله انقلابيا أو دمويا..والجميع يدرك قوة المقاومة التي كسرت هيبة الأسطورة إسرائيل وأذلتها..إلا ردا مسؤولا محترما شرعيا يدرك مصلحة وطنه ودينه..حيث قال نحن لا نريد استبعاد أحد نريد الجميع في الحكومة..رغم أن ما صدر من أقطاب الحكومة وصل إلى حد الخيانة...
علينا أن نتعض وان ندرك جيدا أن كل أحد فينا ومهما بلغت قدراته العقلية وتجربته العملية..لا يمكن له أن يلغي الآخر ..وان الأفضلية تبقى للحريص أكثر على حرمة الدم وشناعة الاقتتال الداخلي..وللحريص على بقاء السلاح موجها حيث يجب أن يوجه...
فالمعروف دائما أن الخاسر الوحيد من الصراع الداخلي هو الجميع..وليتذكر القادة والعناصر ..لوعة وألما وفاجعة الأم التي تبكي ابنها الذي يقتله أخ آخر اختلف معه على موقع أو سلطة أو رئاسة وفي كثير من الأحيان للأسف تربى على عصبية لا تسع الآخر..هو بلا ريب ألم سيبقى محفورا في وجدان كل أم ..فلا تجعلوا أيها القادة لعنة أم القتيل تلاحقكم حتى بعد موتكم...